الخميس، 6 مايو 2010

عزاء تَـخرُجي ...


جلبة الحياة أعمت خافقي .. وأصمتني بلحنها النشاز
باغتتني بذكريات حفظتها كالسر .. أغلقت عليها ..
بل وابتلعت المفتاح
لاحميها خيانة السنين .. وغدر قادم الأيام
لم انتبه لخطاي ذلك اليوم .. 
وأين في تلك الضوضاء أضع قدمي
خطوت خطوة واثق .. وطاشت سهام ناظري ..
لم انتبه لطفل لا يملك من دنياه سوى سنواته السبع
وفي غفلة مني .. داست قدمي بثقلها على أنامله
بحثتُ عن أمه لأعتذر قبل أن يدوي بصوته .. ويفتضح أمري
لكن صرخاته سبقتني .. بل جمدتني
لفظ كلمات وقعت كهزيم الرعد على مسمعي
فاجأني .. أرعبني .. بل أدمى خافقي الحزين
قال لي ذاك الغلام .. 
وبعاميته المجردة : " يلعن ابوتس " !!!
تسمرت عينيَّ في عينيه .. وتوقفت أنفاسي
زحفت يدي لتبحث عن قلبي .. لـتربُتَ عليه ..
وكأنها أم جزعة تهدئ من روع طفلها الباكي
هل ينظر إلي !؟ لا ليس ينظر باتجاهي ..
هو يعنيني بكلامه !؟ لا بل يخاطب غيري
يخاطبها .. بل يخاطب تلك !
أو حتى يخاطب خيالي .. لكنني لست المعنية بكلامه
نعم .. كنت اكذب نفسي .. وعيني .. وآذاني
 لكن ليس أبي..من يلعنه ذلك الطفيلي المزعج الصغير
خجلت .. غضبت .. ضعفت
بحثت حولي عن شيء ليسندني
فلم أجد سوى ظلي يواسيني
وليس " البــكاء " من شيـمي
لكن سحابةً عابرة .. اتخذت من عيني رحماً لوليدها
وقد حــان مخاضها
فهطلت دمعة " يـتـيـمة " على خدي
حينها ارتميتُ في أحضان اقرب كائن حي .. 
لأُداري دمعتي
ذكرتني دمعتي هذه .. بالماضي القريب
بيوم نحته التاريخ على أضلعي ..
وخط أحداثه بلغات العالم اجمع !
انه يومي الكبير ..  يوم حفل تخرجي من الثانوي
اذكر اطنانا من السعادة تملئ جعبتي
 وحماسا يجري مجرى الدم في شراييني
وروعة تدغدغني بقرب اجتماعي مع صديقاتي
كنت اطير بلا أجنحة .. وأزمر بلا مزمار
بل ارقص على سطح القمر .. حافية القدمين
على أنغام التهاني و التبريكات
فستاني الزهري .. وحذائي الأبيض
شعري السائب .. واطباق الحلوى
كل شيء جاهز .. ليست الا سويعات .. وأكون أميرة حفلتي
ويصدح صوت الحق معلناً دخول وقت صلاة الفجر !!

ويقضي ربي أن كُـن فــ يـكون .. !

وماذا كان !؟
كان يوم حفل تخرجي .. هو نفس اليوم الذي
" قُـبـضت فـيه روحـك يــا أبــي "
نفس اليوم الذي بكيتك فيه بحارا وأنهارا ..
وكُسِرت فيه مرايا أحلامي
ووئِـدَت آمــالي
وتبعثرت خطواتي
واختنقت زفراتي
وتتابعت آهاتي
وصار حفل تخرجي .. عزاءك !!
ويوم رحيلك .. ووداعك الأخير  
مازال فستاني " الجديد " معلقا في دولابي ..
 لم يلامس جسدي الهزيل منذ رحيلك
وبجانبه علقت آخر ما لامسه جسدك الطاهر
ثوبك .. المعتق برائحتك و دفأك وحنانك
مازلت احتفظ .. بقلمك .. ساعتك
محفظتك .. نظارتك .. ودفتر اذكارك ..
وخاتمك الذي البسه كلما اشتقت للمسة يدك الحنون
حبيبي .. لم اخسر الكثير بعد وفاتك .. !!
لم اخسر سوى .. كُــــــــلي
لأبدأ من جديد رحلة البحث عن هوية لكياني ..
وها أنت تكمل السنة السادسة في غيابك
و أكمل أنا ماراثون الحنين الذي أضناني من غيابك
رَحلت يا صديقي .. وتركتني لأسهر وحدي
بعد أن كنت شريكي في السهر
رحلت يا عضيدي .. يا من يناصرني ويؤازرني
في حال عدلي و إن ظلمت
رحلت يا رفيقي .. يا مُـدَلِـلِي ..
 يا قاموسي .. يا دليلي ..
يــا أجمل العمر ..
بالرغم من سياط الشوق التي تدميني
ولحظات الضعف التي تعتريني
مازلتُ فـتاتـك المفضلة ..
بقوتي التي عهدتها مني ..
وطيبتي .. وثقتي .. وعقلي
وإقدامي .. وعزمي
كلها منك إليك .. يا حبيبي
كم .. وكم .. احن لمبسمك
كم .. وكم .. أتلهف  لضمتك
كم .. وكم .. اشتاق لمناداتك يـــا أبي
كم .. وكم .. وكم .. دعوت الله
أن أكون أول اللاحقين بك من ذريتك ..
بيد أني اُصبر نفسي بأنك في ضيافة الكريم الرحيم
وعزائي الوحيد أن بشرنا ربي بحسن خاتمتك
حين طبعت قبلتي الأخيرة على جبينك البارد
مسحت دموعي .. وابتسمت .. لا بل ضحكت !
شعرت بأنني وحبة الرمل سواء !!
على مـا أبكي ..!؟
على من ملئ الضياء وجهه..
وابتسم ثغره
وارتفعت بالشهادة سبابته
يالسخافتي ..!
أنا من يجب أن تبكي على نفسها
فمازلتُ في دار العمل
أما أنت يا حبيبي
فلله دُرُك
عملتَ .. فأجدت
فربحتَ .. بإذن الله

~  اسأل العلي القدير ~
أن يُعينني على بِـــرك
ويجمعني بك ومن نحب .. في الفردوس الأعلى
اللهم و ارحم .. وتُـب .. واغفر
لـ " بابا " .. و لموتى المسلمين والمسلمات أجمعين
آمين

صديقتك .. قبل أن أكون ابنتك
" بسومهـ "

هيبة صمتــ